اخبار الجزيرة

الأحد، 28 يونيو 2009

رسالة إلى خطيب



الشيخ / وحيد عبد السلام بالي

الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :فإن الدعوة إلى الله تعالى من أفضل الأعمال ، وكيف لا تكون كذلك وهي رسالة الرسل والأنبياء ، وطريق المصلحين والعلماء ، لا يقوم الدين إلا بها، ولا ينتشر إلا عن طريقها


إلى الله تعالى قائل بأحسن قول : قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33]


ولقد بشر الله سبحانه الدعاة إلى الله بالفلاح في الدنيا والآخرة : فقال سبحانه وتعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104]।

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة لازمة لعباد الله المؤمنين : قال سبحانه وتعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة:71]।

وحسبك أخي الداعية أن المخلوقات تدعو لك بظهر الغيب ؛ فقد روى الترمذي بسند جيد عن أبي أمامة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [إن الله وملائكته ، حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت في البحر ، ليصلون على مُعَلِّمِ الناس الخير ]

أخىـ خطيب الجمعة ـ : إن خطبة الجمعة لها أهمية كبرى بين وسائل الدعوة المتاحة للدعاة ، فقد يتكاسل الناس عن المحاضرة ، وقد يتخلفون عن الدرس، لكنهم لا يتخلفون عن الجمعة ، إلا الذين لا يصلون أصلاً ، لأن المسلمين مأمورون جميعا بحضور الجمعة . قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة:9]।

ولذا فقد تجد أمامك جمعا غفيرا من المسلمين ، وربما تجد من بينهم من لا يدخل المسجد إلا يوم الجمعة ، وستجد فيهم الصالح والطالح ، والمفرط والمحافظ ، والمتواضع والمتكبر ، والمتقبل والمعاند । بل ستجد منهم المتعلم والأمي ، والصغير والكبير، والذكر والأنثى ، وغير ذلك من فئات المجتمع ، فكيف تخاطب هؤلاء جميعا بالأسلوب المناسب ، وكيف تستغل هذا الموقف للأخذ بأيدي هؤلاء جميعا إلى طريق الله عز وجل ؟فبات من الواجب عليك ـ أخي الخطيب ـ أن تتعلم فن الدعوة ؛ لتقدم تعاليم الإسلام في أبهى منظر وأجمل حلة


أسباب نجاح الخطبة

التكلم باللغة العربية الفصحى :

ينبغي على الخطيب أن يحرص على أن يلقي خطبته بالفصحى قدر جهده ، لأنها لغة القرآن الكريم، وشعار الإسلام ।والحديث بالفصحى يضفي على خطبتك إشراقا ، وعلى كلماتك نوراً ، وفي نفوس مستمعيك قبولا


التوسط في الإلقاء :

بحيث لا يكون كلامك سريعا فلا يفهم ، ولا بطيئا فيمله السامعون ، ولتعط لكل موقف ما يلزمه ، فإذا احتاج إلى انفعال أسرعت ، وإن احتاج إلى إقناع أبطأت


الاقتصاد في الخطبة :

فلا تكون طويلة مملة ، ولا قصيرة مخلة ، ولا تكون متشعبة الأفكار ، كثيرة الشواهد ، ركيكة المعاني ، بل موجزة مقتصدة ، وتلك هي السنة ، فقد قال سيد الخطباء صلى الله عليه وسلم: (إنَّ قصر خطبة الرجل ، وطول صلاته ؛ مئنة من فقهه)। ( رواه مسلم ) ، لأن القصر والإيجاز وإيصال المعنى من أقرب طريق؛ دليل على الفصاحة والعلم والفقه


ربط الخطبة بالواقع :

عليك أن تتحسس مشاكل مدينتك وتعالجها من فوق أعواد منبرك ، تعايش الناس وتترك المنبر يجيب عن تساؤلاتهم ، فحينما تكون خطبتك منتزعة من الواقع تكون أقرب إلى قلوبهم وأوقع في نفوسهم


المخاطبة على قدر الفهم :

فلا تخاطب العوام بمنطق علمي مرتفع ، ولا المتعلمين المثقفين بمنطق بدائي ممجوج ، بل تخاطب الناس على قدر عقولهم وعلومهم


الترفع عن الغلظة في القول والبذاءة في اللسان :

فلا تحقر مستمعيك ، ولا تقلل : من شأنهم ، ولا ترميهم بالجهل وقلة الفهم ، ولا تقذفهم بالفسق والفجور ، أو غير ذلك مما لا يليق بمكانة الداعية ـ حتى ولو كانوا كذلك ـ، بل تتلطف بهم في الحديث ، وترفق بهم في القول । قال تعالى ـ مبينا سبب اجتماع الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم ـ: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ َ) [آل عمران:159]। وقال تعالى ـ مرشداً للطريقة المثلى في الدعوة : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل:125]


استثارة همم المدعوين بما يفتح قلوبهم :

كان تخاطبهم بـ ( يا أخوة الإسلام ) ، ( يا أيها المؤمنون ) ، ( يا من آمنتم بالله ربا ، وبمحمد نبيا ، وبالإسلام دينا ) ، وما شابه ذلك مما يفتح قلوبهم ويقرب نفوسهم ، فإن المحبة مفتاح القلوب ।


فهذا إبراهيم عليه السلام يذكر أباه برابطة الأبوة أثناء دعوته ، فيقول : ( يا أبت) [مريم : 42] ، ويكررها كثيراً ।

وهذا لقمان يذكر ابنه برابطة البنوة ليكون أدعى لقبول الموعظة ، فيقول: (يا بني لا تشرك بالله ...) [ لقمان: 13]।

وهذا هود عليه السلام يذكر قومه برابطة القرابة فيقول : ( يا قوم) [ هود : 50]

وربنا تبارك وتعالى يذكر المؤمنين بإيمانهم ، ليردهم وازع الإيمان إلى الاستجابة والطاعة ،فيقول سبحانه : (يا أيها الذين آمنوا ... ) [ البقرة : 153]

الابتعاد عن الحركات الكثيرة
ينبغي أن تتسم بالاتزان أثناء الإلقاء ، فلا تتحرك أو تشير إلا في الموقف الذي يدعو إلى ذلك ، وعليك بتجنب الحركات التي تسقط هيبتك من أعين الناس، مثل كثرة بلع الريق ، وفتل الأصابع ، والسعال المتكلف، وكثرة الالتفات ، وما شابهها

حسن المظهر :
ينبغي أن تصعد المنبر بالمظهر اللائق بالداعية ، فلا تلبس ثيابا رثة ، أو ممزقة ، ولا تلبس ثياب المترفين الرقيقة الشفافة ।فعليك أن تكون نظيف الثياب من غير تبرج ، طيب الرائحة من غير إسراف ، مهيب المنظر من غير تكلف .

التحضير الجيد للخطبة :
لا تصعد المنبر إلا وقد حددت موضوعك ، ورتبت أفكارك وانتقيت ألفاظك ، حتى لا ترتج عليك العبارات ، وتستعجم عليك الكلمات ، فلا تتمكن من تبليغ دعوة مولاك .ولا بأس في أن تستمع إلى أشرطة الخطباء المشهورين ، والوعاظ المبرزين لتتدرب على طرق الإلقاء ، ووسائل التأثير ، وأساليب الإقناع

ألا تصعد المنبر وأنت ممتلئ المعدة :
لأنه إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، و خرست الحكمة ، وكسلت الأعضاء عن العبادة . وقال محمد بن واسع : من قل طعامه فهم ، وأفهم وصفا و رقَّ ، وإن كثرة الطعام لتثقل صاحبها عن كثير مما يريد . وقال الشافعي : الشَّبع يثقل البدن ، ويزيل الفطنة ،ويجلب النوم ، ويضعف صاحبه عن العبادة .

تلكم هي أسباب نجاح الخطبة ، فاحرصوا عليها إخواني الخطباء ، وكونوا منها على ذكر دائما ، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه


رسالة إلى خطيب الجمعة



أخي خطيب الجمعة: السلام عليكم وحمة الله وبركاته
أيها الشيخ الفاضل والخطيب المفوه: أسأل الله أن يوفقك ويبارك فيك؛ فكم نفع الله بك الناس، يوم ذكّرت ووعظت، وأرشدت ونصحت، وعلَّمت ووجهت، فجزاك الله خير الجزاء ونفع بعلمك.
أيها الشيخ الكريم: لا يخفاك أن خطبة الجمعة تأتي في نهاية الأسبوع بمثابة التجديد للناس، وإذكاء روح الخير والإيمان في قلوبهم، فكثير من الناس لا يسمعون الذكر والخير والوعظ إلا في هذه الدقائق من يوم الجمعة؛ وإنه لحري بك وبكل خطيب أن يعتني بهذه الخطبة، ويجعلها ذات أولوية واهتمام في نفسه وذهنه، فيعدّ لها أتم إعداد، ويفكر فيها، ويستطلع ما يحتاج إليه الناس من أمور دينهم ودنياهم. وأعتقد أنك توافقني في ذلك رفع الله قدرك وزادك علما وفضلا.
أخي الخطيب: سائل نفسك باستمرار ماذا حققت من خطبك المتكررة؟! هل ساهمتْ خطبك وكلماتك في تربية المجتمع على الخلق الفاضل والأدب الحسن؟! هل بذلتَ وسعيتَ لتعليم الناس أمور دينهم؟! هل تحسُّ وتستشعر أنك تبني مجتمعاً وتنهض بأمة، أتمنى ذلك.
وتذكّر أخي الخطيب على الدوام أنها أمانة عظيمة أسأل الله أن يعينك على أدائها ويكون نفعها للجميع. وإن من الأمور التي ينبغي على الخطيب أن يفطن لها أن يكون ذا تواضع وسمت حسن، يوقّر الكبير ويرحم الصغير، ويكون قدوة للناس في كل أفعاله وأقواله سولوكه.
يذكر عن بكر بن عبد الله المزني أنه قال: ما رأيت أكبر مني إلا قلت هو خير مني؛ سبقني إلى الطاعة، ولا رأيت أصغر مني إلا قلت هو خير مني سبقته إلى المعصية، إن الخطيب قدوة للناس؛ فعليه أن يزِن كلامه وسلوكه وطريقة تعامله معهم، كما أن عليه أن يقدّر الظروف والمناسبات التي تناسب الخطبة، فلكل مقام مقال، وما يقال في مقام النصر والإنعام لا يقال في مقام الهزيمة ، وما يقال في زمن الأمن غير ما يقال في زمن الفتنة؛ فالناس يحتاجون في خطبتك إلى ما يرقق قلوبهم، ويكون سببًا في تعظيم الناس لربهم وخالقهم، وإن الناظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليجد اهتمامًا بالغًا منه صلى الله عليه وسلم بهذا الجانب، فكان كثيرًا ما يخطب بسورة ( ق )، التي تتضمن جوانب إيمانية وتربوية عديدة.
أيها الشيخ النبيل: إني والله أغبطك على ما أنت فيه من الخير، وكم يؤسفني عندما أذهب إلى صلاة جمعة فأجد خطبة باردةً وخطيبًا باردا فأحزن على ذلك كثيرًا مما يجعلني أنتقل من مسجده إلى مسجد آخر ولو كان بعيداً، وأثبت عند ذلك الخطيب، وعند تلك الخطبة التي تشنّف الآذان وترفع الإيمان وتزيد الهمة، وكأني أخرج من عند ذلك الخطيب المبارك وقد ولدت من جديد فلله درّه، وأسأل الله أن تكون مثله بل أنت مثله إن شاء الله سلام الله عليك يوم نفعت الناس بعلمك وحسن تحضيرك وبذلك وواقعيتك، والله يحفظك يرعاك. والسلام.